الخوف من السفر بالطائرة أمر شائع، وليس كما يتعقد كثيرون أنه نادر. هذا الخوف من ركوب الطائرة، ليس له علاقة بالمستوى الاجتماعي أو الدراسي أو العملي أو المهنة التي يمتهنها الشخص. فبعض الذين يعملون في حقل الملاحة الجوية قد يبدأ عندهم الخوف من ركوب الطائرة، بمن في ذلك الطيارون والمضيفون الجويون أو مهندسو الطائرات. لقد مر علي في العيادة أشخاص عملوا لسنوات طويلة في حقل الطيران، ثم بعد ذلك أصيبوا بالخوف من السفر أو ركوب الطائرة.
كان مهندساً جوياً عمل في هذا المجال لأكثر من خمسة عشر عاماً، ثم فجأة بدأ يشعر بالقلق الشديد من ركوب الطائرة ووصل به الأمر إلى أنه لم يعد يستطيع الاستمرار في هذا العمل، وحاول إقناع رؤسائه بأنه لم يعد قادراً على العمل كمهندس طيران، ولكن هذا التغير المفاجئ - والحقيقة لم يكن مفاجئاً - جاء بالتدريج، عقب حادثة تعرض لها هو وزملاؤه، حيث تعرضوا لأحوال جوية سيئة، بعدها أصبح يعاني من هذا الخوف من ركوب الطائرة - بالنسبة إلى المسؤولين عنه لم يكن سبباً كافياً لتحويله لعمل أرضي.
وعندما تكون لديه رحلة عمل فإنه لا ينام طول الليلة ويركب الطائرة وهو يعاني من قلق وخوف شديدين، جعلاه لا يستطيع التركيز في عمله، وهذا الذي حدا برؤسائه لتحويله إلى عيادة نفسية للتأكد من صحة ما يقول..!
وكذلك فإن هناك المتعلمين ويحملون أعلى الشهادات وآخرون أميون وغير متعلمين ولا يعرفون الحياة الحديثة، وهناك من مختلف المهن أشخاص يخشون السفر بالطائرة، وبعضهم لم يركب الطائرة البته، وآخرون ركبوها مرة ثم كفوا عن السفر بالطائرة بعد التجربة الأولى.
في دراسة مسحية في الولايات المتحدة الأمريكية على الأشخاص حول موضوع السفر بالطائرة، وكانت النتيجة مذهلة، إذ بينت هذه الدراسة المسحية أن 10% من الامريكين لا يركبون الطائرة إطلاقاً مهما كانت الظروف، ويسافرون بالبر أو البحر، وإذا كانت المهمة تتطلب سفراً بالطائرة فإنهم يلغون الرحلة والعمل بسبب خوفهم من ركوب الطائرة. هؤلاء يشكلون حوالي خمسة وعشرين مليون مواطن أمريكي..! وكذلك ظهر من المسح أن حوالي 20% من الامريكين لا يركبون الطائرة إلا عند الضرورة القصوى، ويتناولون أدوية مهدئة تساعدهم على التغلب على قلقهم الشديد أو يتناولون كمية كبيرة من الكحول حتى يستطيعون تجاوز عقدة الخوف والقلق التي يشعرون بها عند ركوبهم الطائرة.
أكتب هذا المقال لأنني لاحظت في السنوات الأخيرة أعداداً لا يستهان بها من الزملاء الأطباء وكذلك المراجعين في العيادة الذين يراجعون العيادة بسبب هذا الخوف من الطائرة، بل إن طبيبة من الشقيقات العربيات يعيش أهلها في باريس، وتحاول أن تزورهم منذ مدة، ولكنها لا تجرؤ على ركوب الطائرة، وكانت مشكلة كبيرة للعائلة لأن الزوج والأبناء يريدون أن يذهبوا لزيارة بقية عائلتهم في باريس، خاصة الجد والجدة. وكلمتني هذه الطبيبة وهي في حالة يائيسة من أن حالتها يمكن علاجها. وبعد شرح بسيط، وتزويدها بكتيب عن خطوات كيفية التغلب على الخوف من ركوب الطائرة وتشجيعها على أن تتناول دواء مهدئاً قبل الصعود للطائرة. وقابلتها بعد عدة أشهر وكانت ممتنة جداً لهذا المساعدة..!
الأشخاص الذين يعانون من الخوف من ركوب الطائرة، يخافون من الأماكن المغلقة، خاصة بعد إغلاق الطائرة فيشعرون بأنهم في مكان لا يستطيعون مغادرته لو حصل أي مكروه حتى ولو لم تقلع الطائرة.. هؤلاء يكون لديهم خوف من الأماكن المغلقة مثل المصاعد أو الغرف الصغيرة مثل دورات المياه.. وهكذا. هؤلاء الأشخاص يحتاجون إلى علاج للسبب الأول وهو الخوف من الأماكن المغلقة، ولكن الوضع في الطائرة مختلف جداً.. ففي الطائرة سوف تغلق الأبواب وبعد ذلك تقلع وتصبح في الجو، حتى لو أراد هذا الشخص أن يخرج فليس هناك سبيل.
وقد حدث في إحدى الرحلات أن إحدى المسافرات أصيبت بنوبة هلع شديد بعد إقلاع الطائرة وأصبحت تتصرف بسلوكيات هستيرية وترغب في العودة مرة أخرى إلى المطار، وهذا طبعاً أمر في غاية الصعوبة.. ولكن بتهدئتها وإعطائها دواء مهدئاً، خف الهلع، مع أنه لم يختف تماماً ولكن ساعد على نومها حتى الوصول إلى المطار الذي تنوي الذهاب له..!
النوع الآخر من الأشخاص، هم الذين يخشون أن يحدث أمر سيئ للطائرة، مثل أن يصيبها عطل، أو أن تسقط. هؤلاء يبدأ الخوف والقلق عندهم من الليلة التي تسبق السفر، وتجده متوتراً قبل السفر بليلة أو عدة ليال من السفر، وينتابه كثير من التردد في ركوب الطائرة، وربما يلغي فعلاً السفر بالطائرة ويحاول أن يجد وسيلة أخرى للسفر، وإذا تعذر ذلك فإنه قد يلغي السفر، وإذا كانت هذه الرحلة لعمل فإنه قد يكلف شخصاً آخر بالسفر وإنهاء العمل نيابة عنه.
بعض الذين يخافون من الركوب والسفر بالطائرة هم من الأشخاص الذين لديهم خوف من الأماكن المرتفعة، لذلك لا يستطيعون ركوب الطائرة، ويشعرون بالخوف حتى في أثناء التخيل أنهم معلقون في الفضاء في آلة حديدية كبيرة على ارتفاع عال، وهؤلاء الأشخاص قد يصابون بالدوار حتى إذا صعدوا إلى أماكن مرتفعة أقل بكثير من الطائرة.
علاج الخوف المرضي من السفر بالطائرة قد يستغرق وقتاً طويلاً بعض الوقت، وهناك بعض شركات الطيران العالمية يتعاون مع بعض الأطباء لعمل برامج لعلاج الأشخاص الذين لديهم مشكلات مع السفر بالطائرة.
ثمة حلول سريعة، قد تكون فعالة ولكنها مؤقتة مثل استخدام بعض الأدوية المهدئة قبل السفر بمدة وجيزة، وهذا كثيراً ما يقوم به كثير من الأشخاص الذين يضطرون إلى السفر بالطائرة وليس لديهم وقت للذهاب والاشتراك في برامج العلاج الذي قد يساعد الشخص على التغلب على مشاعر القلق والخوف من الركوب والسفر بالطائرة لفترة طويلة، بل ربما تجعله يشعر ببعض القلق البسيط الذي ينتاب معظم الأشخاص الذين يسافرون بالطائرة.